شـؤون عـربيـة | ||
تهويد القدس قرار
بتطهيرها عرقيا منذ كان المشروع الصهيوني فكرة احتل
تهويد القدس وضواحيها موقعا مهما في استراتيجية التطهير العرقي المعتمدة
بتهجير غالبية مواطني فلسطين العرب واقتلاع تاريخهم . وذلك هو المستهدف من
القرار المعروض على الكنيست مؤخرا باعلان "القدس الموحدة عاصمة ابدية للشعب
اليهودي " . ولاعطاء فكرة عما سيلاقيه مواطنوها العرب ومقدساتها الاسلامية
والمسيحية اقدم تلخيصا مكثفا لكتاب "التطهير العرقي في فلسطين" للمؤرخ
ايلان بابه ، اشجع المؤرخين الاسرائيليين الجدد واكثرهم موضوعية
. ففي العام 1940 باشرت الهاغاناه باعداد
ملفات للقرى والاحياء العربية متضمنة بيانات لجغرافيتها ومداخلها ،
وعائلاتها ، والذين شاركوا في ثورة 1936 – 1939 او اعتقلتهم سلطة الانتداب
، والانتماءات السياسية لسكانها ، ومن بالامكان تجنيدهم كعملاء . وكان
المستشرقون و "المستعربون " يوالون تحديث تلك الملفات بحيث استكملت سنة
1947 باعداد قوائم بالمطلوب اعتقالهم من كل قرية . وفي 10/3/1948 وضعت
الهاغاناه اللمسات الاخيرة للخطة "دالت" لتطهير فلسطين عرقيا . وبعد
مناقشتها مع بن غوريون اعتمدها وكلف قادة الالوية بتنفيذها ، مستخدمين تلك
الملفات والقوائم في عمليات التفتيش والاعتقال والاعدام . فضلا عما وفرته
لهم من معرفة دقيقة بواقع كل قرية وحي عربي . ويقرر أبرز المؤرخين الاسرائيليين الجدد
انه على الرغم من سياسات بريطانيا المؤيدة للصهيونية ، والوجود المتنامي
للأقلية اليهودية ، كانت فلسطين لا تزال في نهاية الانتداب بلدا عربي
الهوية . وأن الأمم المتحدة باصدارها قرار التقسيم تجاهلت كليا تركيبة
فلسطين الاثنية ، ولو انها جعلت الاراضي التي استوطنها اليهود متناسبة مع
حجم الدولة التي خصصت لهم لما كانت قد اعطتهم اكثر من 10 % من البلد .
وعليه يقول : "لقد ثبت أن تقسيم البلد ، الذي كان في اكثريته الساحقة
فلسطينيا ، إلى جزئين متساويين تقريبا ، كان حلا كارثيا لانه تم ضد السكان
الاصليين . والاسوأ من ذلك تسبب في تدهور البلد الواحد الى اسوأ أطوار
العنف في تاريخه " . ما يعني انه يعتبر الامم المتحدة مسؤولة تاريخيا
واخلاقيا عن العنف المتوالية فصوله على مدى السنوات الاربع والستين
الماضية وفي تأريخه للاحداث يذكر انه في 7 تشرين
الاول / اكتوبر 1947 ، وقبل صدور قرار التقسيم ، ابلغ بن غوريون الحلقة
الضيقة من اعضاء "الهيئة الاستشارية " الصهيونية انه "لاتوجد حدود اقليمية
للدولة اليهودية" ، وبالتالي بدأ التطهير العرقي فور صدور قرار التقسيم
بسلسلة هجمات على قرى واحياء عربية ، وبرغم انها كانت متفرقة ومتقطعة الا
انها كانت عنيفة بما فيه الكفاية للتسبب برحيل نحو خمسة وسبعين الف مواطن
عربي
. وفي استعراضه لجرائم التطهير العرقي
يذكر انه تحت اشراف عالم الكيمياء الطبيعية "افرايم كتسير" – رئيس اسرائيل
لاحقا – طورت الاسلحة البيولوجية ، وجرى تلويث مياه عكا بجراثيم التيفوئيد
لكسر ارادة مقاوميها ، وفي 27/5/1948 احبطت القوات المصرية محاولة تلويث
مياه غزة . فيما جرى تطوير قاذفات لهب استخدمت في حرق بيوت وحقول
الفلسطينيين . وفي اكثر من قرية نسفت البيوت فوق رؤوس ساكنيها . ولم تحترم
اتفاقيات السلام الموقعة مع الهاغاناه ، كما جرى في دير ياسين التي كلفت
الارغون وشتيرن بتطهيرها فاقترفتا المجزرة التاريخية
.
واعتبارا
من مطلع نيسان / ابريل 1948 جرى تطهير منهجي للمدن والقرى بحيث انه حتى
15/5/1948 كان قد تم احتلال وتطهير عدة مدن و 200 قرية ، تحت انظار مراقبي
الامم المتحدة والموظفين البريطانيين . بل ويتهم الاخيرين باداء ادوار
مشبوهة في تهجير غالبية مواطني طبرية وتطهير حيفا من العرب . وذلك بينما
كانت بريطانيا لما تزل مسؤولة عن فلسطين ، ولديها خمسة وسبعون الف جندي ،
ما كان يمكنها من تنفيذ قرار التقسيم واقامة الدولتين : العربية واليهودية
، كما كانت قد فعلت بالفصل بين الهند وباكستان . ويؤرخ بابه لاكثر من ست وثلاثين مجزرة ،
ابرزها من حيث اجراءات التطهير وعدد الضحايا مجزرة الطنطورة حيث تجاوز
الشهداء (230) ، ومجزرة الدوايمة حيث تجاوزوا (455) شهيدا بينهم (170) طفلا
وامرأة . كما تعددت حالات الاغتصاب ، ولعل اكثرها بربرية اغتصاب فتاة في
الثانية عشرة وقتلها بعد ان تعاقب على اغتصابها اثنان وعشرون وحشا آدميا .
وقد سجل بن غوريون الجريمة في يومياته ، لكن محرري اليوميـــات حذفوها، وفي
29/10/2003 نشرت "هارتس" القصة استنادا لشهادة المغتصبين.
وكان قد جرى استخدام الطائرات بلا رحمة
في جرائم التطهير اعتبارا من تموز / يوليو 1948 . وفي الشهر التالي قررت
اسرائيل تدمير كل القرى التي جرى تطهيرها وتحويلها الى مستعمرات يهودية او
الى غابات طبيعية ، وانشات "هيئة الشؤون العربي" للتعامل مع تداعات التطهير
. وفي مواجهة تنامي الضغط الدولي للسماح بعودة اللاجئين دعت اسرائيل
لتوطينهم في سوريا والاردن ولبنان . وفوض بن غوريون يوسف فايتس وعزرا دانين
، عضوي "لجنة الشؤون العربية " ، باتخاذ الاجراءات النهائية بتدمير القرى
ومصادرة الاراضي . وفي استباق الغضب الدولي من اغتصاب الاملاك العربية عينت
الحكومة " قيما " عليها برغم اعتبارها مملوكة بحكم القانون للامة اليهودية
، بحيث لا يجيز بيع اي جزء منها لمواطن عربي.
ولطمس تاريخ فلسطين جرى تغيير طابع
المدن العربي واحلال اسماء عبرية لكثير من الاماكن . ولم توفر المساجد
والكنائس والمقامات التي جرى تدنيسها ، ومصادرة جميع املاك الاوقاف
الاسلامية . بل ولم تسلم اشجار الزيتون لكونها تدل على عراقة العمران
الفلسطيني ، ولاكساب الدولة مظهرا اوروبيا زرع مكانها السرو والصنوبر ,
وعلى انقاض العديد من القرى العربية اقيمت اكبر الحدائق واكثرها شعبية :
حديقة بيريا بالقرب من صفد ، ورامات المنشية الى الجنوب منها ، وحديقة
القدس على هضابها الغربية ، وحديقة صطاف في جبال القدس
. واستكمالا للتطهير العرقي أُخُضع
الصامدون لحكم عسكري استنادا لقانون الطوارىء الذي سنته حكومة الانتداب
سنة 1945على غرار قوانين نورمبرغ النازية سنة 1935 ، بحيث افتقدوا حقوقهم
الاساسية : حرية التعبير ، والتنظيم ، والحركة والانتقال ، والمساواة امام
القانون . وتواصلت عمليات الطرد حتى 1953 فيما استمر الحكم العسكري حتى
العام 1966 . ولقد حرص المؤرخ الموضوعي على الاشادة
بالمقاومة البطولية في التصدي للقوات الصهيونية وجرائم التطهير العرقي .
خاصة القوات العراقية في جنين ، والاردنية في القدس ، واهالي قرى : جبع
واجزم وعين غزال ووادي عارة الخمسة عشر ، واقرت وكفر برعم . عـوني فـرسخ 2 يناير 2012
|
||